الجمعة، 24 يناير 2014

من التنقيب في النفايات إلى التنقيب في أعماق البحار

ولدت "ماريه داس" ابنة المهاجر البرتغالي في منطقة كاراتنجا خارج مدينة ريو دي جانيرو بالبرازيل، وكان والدها رجلاً عنيفا ومدمناً على الكحول. كما أنها نشأت في أحد أفقر الأحياء الشعبية على الإطلاق التي يطلق على قاطنيها (مجتمع مدينة الصفيح)؛ لشدة الفقر وانتشار الجرائم والإكتظاظ السكاني وتجارة المخدرات.

عملت ماريه منذ طفولتها بين النفايات لجمع العلب والورق لتحصل على المال من شركات تدوير النفايات، ثم أصبحت تساعد جيرانها من المهاجرين البرتغاليين على كتابة الرسائل مقابل مبالغ زهيده كلما كبرت وازداد تعليمها، أما والدتها فكانت تعمل في البيوت من أجل مساعدتها لتستمر في التعلم، تقول ماريا: (إنني لم أكن أعلم أبداً متى سأتوقف عن الدراسة لأنني على الدوام أجد صعوبة في توفير قيمة الرسوم الدراسية والكتب، ولكن أمي زرعت داخلي الإرادة والإصرار لأكمل تعليمي مهما كانت الصعوبات).

كافحت ماريه إلى أن انهت تعليمها الجامعي في تخصص الهندسة الكيميائية (1978)، التحقت كمتدربة في شركة بتروبراس البترولية في البرازيل، وبعد عام حصلت على ماجستير في الهندسة النوويه ثم ماجستير في إدارة الأعمال (1999)، واستمرت تعمل بجد في أكبر شركة للنفط في البرازيل، وزاحمت الرجال في أعمال التنقيب داخل أعماق البحار إلى أن أصبحت اليوم الرئيس التنفيذي لإحدى أكبر شركات التنقيب عن البترول في العالم.

يطلق على ماريه اليوم Caveirao أي (سيارة الشرطة المصفحة)، حيث تعتبر المرأة الحديدية في البرازيل، والنموذج المثالي للمرأة التي تجمع صفتيّ "الصبر والقوة" حيث منحتها مجلة فوربس الترتيب الثالث للمرأة الأكثر نفوذا في العالم، تقول ماريا: (في بداية حياتي العملية كنت في مشادة كلاميه مع أحد المسؤولين، وفجأة قال لي: يجب أن تفهمي جيداً أن بعض المناصب لا يمكن أن تشغلها إمرأة. حينها لم يكن لديّ إلا أن استمع لهذه العبارة بصمت ومزيداً من الإصرار والتحدي).

ماريه التي يعرفها كل البرازيليين ابتداءً من رؤساء الدولة إلى أفقر مواطن، تمتلك ثروةً ونقوذاً تجعلها تسكن أرقى المنازل لتعكس مكانتها في الأوساط الاجتماعية والسياسية في البلاد، خصوصاً أنها كانت وزيرة الطاقة (عام 2003)، لكنها فضلت أن تسكن في شقة عادية في حي "كوكا كابانا" المجاور للأحياء الشعبية مع زوجها الإنجليزي الأصل (كولن فوستر)، وتستخدم المواصلات العامة وسيارات الأجرة لتستمع يومياً لمشاكل الفقراء وتسعى لحلها، تقول ماريه: (لا أود أنسى طفولتي والبسطاء الذين كانت لقروشهم البسيطة فضل في تعليمي، لذلك قررت أن أسكن قريبةً منهم وأن أشاركهم همومهم يومياً لأساعد في حلها قدر استطاعتي مع كل مشوارٍ أقضيه).


ماريه مع رئيسة دولة البرازيل "ديلما روسيف" الحالية


الأحد، 19 يناير 2014

الخادمة التي كانت تغرد لأبنائها

نقلاً عن صحيفة مكة

 أورسولا بيرنز


(التعليم، هو الطريق للخروج من حياة الفقر والبؤس)
.. كانت هذه إحدى نصائح والدة (أورسولا بيرنز) لأبنائها قبل ذهابهم للمدرسة، لتزرع في أبنائها قيماً أخلاقية قبل التعليم الجيد. كان تسكن أورسولا وأسرتها في منازل الإسكان العام للفقراء بنيويورك، واضطرت والدتها أن تعمل خادمة، فأهلكت نفسها في الغسيل والتنظيف والكي لساعاتٍ متأخرة من الليل حتى تمنح أبنائها أغلى ما حرمت منه وهو التعليم بعد وفاة زوجها.

عملت أورسولا على تعليم نفسها واجتهدت لأنها كانت تشعر بآلام وأوجاع والدتها إلى أن تخرجت من الثانوية متفوقةً في الحساب. كانت والدتها ترغب أن تكون ابنتها (راهبة، أو معلمة، أو ممرضة)، ولكن طموحها كان أكبر خيارات والدتها فقررت دراسة الهندسة الكيميائية وحينما فاتحت والدتها حول تكاليف الدراسة الباهظة. قالت لها: (انظري إلى أين ستصلين ولا تنظري إلى ما سنواجهه معاً).



عملت أورسولا في وظائف مختلفة داخل شركة زيروكس العالمية بعدما قضت عام كامل من التدريب، وعانت فيها كثيرٌ من التمييز ونظرات الاحتقار حيث لم يكن هنالك الكثير من النساء ولا يكاد يكون هناك أي امرأة سوداء سواها، مما دفعها مراراً للتفكير بمغادرة زيروكس، ولكنها كانت تقول لنفسها دوماً لما عليّ مغادرة هذا المكان وأنا أجد ثناء المدراء ودعمهم. سأبقى هنا لأكون ملهمة لغيري وأنجز مافي وسعي إنجازه وسأتجاهل أي شيء آخر، تقول أورسولا: (كلما شعرت بالتمييز أو الإحباط تذكرت مقولة أمي، تذكري أن العمل بجد هو أفضل وسيلة لتجاوز المحبطين).



بعد عشرة سنوات من الجد والعمل (عام 1991) ابتسمت لها الحياة حينما اختارها أحد كبار المسؤولين التنفيذيين لتكون مساعدا تنفيذيا له نظير جهودها الكبيرة في زيادة الجودة وخفض النفقات، وهو ما اعتبرته البداية الحقيقية نحو الانطلاق والنجاح كونها ستكون بجانب مسؤول قيادي وثق فيها وسيمنحها مزيداً من الدعم لتحقق نجاحات أكبر. ولم يمضِ العام الأول لها في وظيفتها الجديدة حتى صدر قرار تعينها المساعد التنفيذي لرئيس مجلس الإدارة، وهو ما كان صادماً لها وللآخرين، حيث أنها كانت ترى في نفسها مجرد إمرأة مجتهده ولكن المسؤولين كانوا يرون فيها نموذجاً للقيادي الناجح. ثم بدأت المناصب تتسابق نحوها عام بعد آخر إلى تم اختيارها (عام 2009) رئيسا تنفيذياً لمجموعة شركات زيروكس في العالم والبالغ عددها500  شركة، وبذلك تعتبر هي أول امرأة سوداء يتم تعيينها رئيساً تنفيذيا لإحدى أكبر الشركات الأمريكية العالمية.



توفيت والدة أورسولا قبل 29 عام تقريباً بعدما أرهقتها الأمراض من أجل حياة أبنائها، وتقول أورسولا: (في كل موقف أواجهه أتخيل أن والدتي كالطير على كتفي تغرد لتشجيعي أو لنصيحتي، ولطالما كانت نصائحها التي تشبه "التغريدات" أثرٌ بالغ على نفسي). أورسولا التي تعلقت بوالدتها كثيراً وبمقولتها أكثر علقت لوحة في مكتبها مكتوب عليها:

(لا تفعل أي شيء من شأنه أن يجعل أمك غير فخورة بك).

أورسولا إبنة الخادمة، هي إحدى مستشارات الرئيس أوباما