الجمعة، 27 ديسمبر 2013

الهندي الذي يسابق أشعة الشمس



بعضهم لا يكتفي بالاستيقاظ مبكراً للحاق بأعمالهم، إذ تضطر الظروف هؤلاء الممتحَنين بصعوبات الحياة واختباراتها الخاصة، إلى ما هو أكثر من ذلك وأشق، فيصبح الاستيقاظ من النوم مبكراً وحده للذهاب إلى العمل لا يكفي، ويجد هؤلاء أنفسهم في سباق مع الوقت، مع حركة الكون، مع الشمس التي لا ينبغي أن تنتشر أشعتها على الأرض إلا وقد انتهوا من أداء أعمالهم.

أحد هؤلاء العدائين الذين قطعوا مضامير القصص الإنسانية الرائعة والنادرة الحدوث في آن (شيفا كومار)، فما كاد يرن جرس الساعة في الرابعة فجراً حتى يستيقظ هذا الطفل الهندي الذي كان يعمل موزعاً للصحف ليسابق أشعة الشمس قبل وصولها لمنازل المشتركين، لتسليم النسخ اليومية، حيث كان يستيقظ قبلها على صراخ الديانة الذين يصرخون في وجه والده الذي كان يعمل سائقاً لشاحنة نقل ولا يكفي معاشه لسد احتياجات الأسرة وتسديد الديون معاً، أما والدته فكانت امرأةٌ أمية تبيع الأكاليل على الطريق، وتحضر له الزهور لبيعها بعد عودته من المدرسة، وهو في التاسعة من عمره، ولكن بيع الزهور آثر على تحصيله العلمي ولم يوفر له المبالغ التي تساعد والديه، فقرر أن يعمل فجراً من الرابعة صباحاً حتى السادسة في توزيع الصحف لكي يستطيع أن يدرس مساءً.

كان حلم كومار أن يقوم بسداد الديون ومن ثمّ تغيير حياته وأسرته مستقبلاً، فاستمر يعمل ويدرس إلى أن اصطدم في يوم بقرار مديرة المدرسة التي هددته بالطرد إن لم يدفع والداه أقساط المدرسة، فاضطر إلى أن يطلب من أحد عملائه من مشتركي الصحف أن يقرضه مالاً لسداد قسط واحد فقط، فتعجب الرجل وسأله، كيف أقرضك مالاً وأنا لا أعرفك جيداً، دعني أسأل عنك أولاً. فتفاجأ الرجل بأن الصبي يقوم بسداد ديون والديه، وما زال يكمل تعليمه. يقول كومار: "أنا مدينٌ لهذا الرجل بكل شيء في حياتي، فهو لم يقرضني المال فحسب بل قام بييع جزء من مجوهرات زوجته ليساعدني على سداد أقساط العام الدراسي بالكامل، واستمر يدفع نيابة عني أقساط تعليمي".

في السادسة عشرة من عمره أسس كومار وكالة لتوزيع الصحف وبيعها، واستقطب من منطقته الفقيره جداً أربعة أطفال ليعملوا معه بشرط أن يلتزموا بتوقيت العمل المبكر جداً وأن يستمروا في تعليمهم، وبدأت تتضاعف النسخ التي يحصل عليها من المؤسسات الصحافية، وتضاعف عدد الأطفال الذين يعملون معه وتفرغ لتدريبهم وتعليمهم والركض معهم، إلى درجة أنه قام بإلغاء وجبة الفطور من حياته لكسب الوقت في العمل ومتابعة (عمل، وتعليم) الأطفال.

قدما كومار اللتان ركضتا لسنواتٍ طويلة في شوارع بانغلور لإيصال الصحف، هما نفسهما اللتان قادتاه لأروقة إحدى أعرق الجامعات الهندية في الإدارة في مدينة كالكوتا بين أبناء النخبة كطالب في الدراسات العليا (تخصص تمويل)، وذلك بعد أن درس الهندسة في أحد أهم الكليات التقنية في بانغلور BIT. يقول عنه رئيس الجامعة السيد سوبير: "إن تفوق كومار دفعنا بفخر لتقديم منحة تعليمية له ليلتحق بأحد أهم برنامج الدراسات العليا في الهند، ووجود هذا الشاب المكافح الذي تخلى عن متع الحياة كافة من أجل والديه ومستقبله يدعونا للفخر، ووجوده بيننا هو إضافة لنا ولطلابنا".

لدى كومار اليوم، مئاتُ من الأطفال الفقراء الذين يخترقون الشوارع كأشعة الشمس لكي يقوموا بتوزيع الصحف؛ حتى يساعدهم على أن يستمروا في الدراسة كما حصل معه، وتضج الصحف الهندية والقنوات الفضائية بقصته التي يفخر بها، ثم يمارس ضغوطاً سياسية على الحكومة من أجل خفض الرسوم التعليمية حتى يتمكن الفقراء من التعلم. يقول كومار: "قبل ظهوري الإعلامي لم يكن لي أصدقاء ولم يعرف أحد من زملائي في الجامعة من أنا وكيف بدأت، أما اليوم فأنا لست خجولاً من الماضي أو من أين بدأت، وأطمح إلى إنشاء مؤسسة خيرية لمساعدة الأطفال المحرومين من التعليم وهو أقل ما يمكن أن أقدمه وفاءً للرجل الذي ساعدني على إكمال دراستي حينما قام بسداد أقساط تعليمي".

إذا كان هذا ما وصل إليه كومار اليوم، الذي أنشأ وكالته الخاصة التي تعد من أهم وكالات توزيع الصحف في الهند وهو ما زال يدرس في أعرق الجامعات الهندية، فلكم أن تتخيلوا ما الذي يمكن أن يصل له بعد خمس سنوات؟. إن كان في العمر بقية، فلعلي أعود لأروي باقي قصته بعد خمس سنوات.

من الممكن أن أستيقظ في التاسعة صباحا وأكون مستريحا
أو أن أستيقظ في السادسة صباحا وأكون رئيسا لأمريكا

" جيمي كارتر "

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.