العم عبد الستار مولوي
في
عهد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن مؤسس الدولة السعودية الثالثة (أكتوبر1953)
هاجر "عبد الستار مولوي" إلى المملكة العربية السعودية، وهي الفترة نفسها التي أصدر
فيها الملك المؤسس أمراً بتعيين ابنه سعود رئيسا لمجلس الوزراء بعد أن عانى وعكة
صحية.
ومولوي
في اللغة العربية تعني الرجل الزاهد، وفي بلاده تركستان تطلق حصراً على حفظة كتاب
الله. لم تكن هجرة عبدالستار إلى أرض الحرمين صدفةً؛ إذ سبق له زيارة مكة المكرمة
والمدينة المنورة مراتٍ عدة؛ فهو أحد مترجمي قوافل الحجاج التركستانيين في مواسم
الحج، ولكن بعد الثورة البلشفية في روسيا بقيادة (لينين وستالين) عام 1917،
والثورة الشيوعية الصينية بمساعدة البريطانيين بقيادة (ماو تسي تونج) أصبحت
تركستان الغربية والشرقية بين دبابات وصواريخ الحكم الشيوعي الذي سحق المسلمين في
إمارات بخارى، وخيوة، وخوقند وباقي مناطق أحفاد الإمام الجليل محمد بن إسماعيل
البخاري صاحب كتاب (صحيح البخاري) الذي ولد ومات في تركستان.
استقر
عبدالستار في مدينة الطائف التي ترتفع عن سطح الأرض قرابة (2000
متر) فوق جبال السروات؛ نظراً لطقسها البارد المناسب للمسلمين المهاجرين من شرق
آسيا، وتزوج من ابنة خالته (آمنة) التي هاجرت أسرتها أيضا إلى السعودية، وسكنا (حي
البخارية) الذي تقطنه أغلبية من الفلاحين التركستانيين، أو شعب الأويغور (البخارية)
مثل: البخاري، وطاشكندي، ومرغلاني، الخاشقجي، والكشغري، والقشقري، والسمرقندي،
وغيرهم ممن فروا بدينهم من الاستعمار الصيني لبلادهم.
حصل
عبدالستار على (التابعية) السعودية، وهي الوثيقة التي تمنحه حق الاستقرار في
السعودية، وبعد أن أنجبت زوجته ابنه البكر عبدالعزيز، انتقل مع أسرته إلى محافظة
جدة؛ لرغبته في أن يحظى أبناؤه بتعليم أفضل؛ ولكي يمارس نشاطاه التجاري (صناعة
الأحذية الجلدية)، وحينما افتتح محلاً لبيع الأحذية وإصلاحها، في سوق البدو (جنوب
جدة)، التحق ابنه عبدالعزيز بمدارس الفلاح الشهيرة، وفي الوقت نفسه كان يساعد
والده في المحل مساءً.
تتلمذ
عبدالعزيز على يد والده الذي رباه على حسن المعاملة وخدمة الناس عن طيب خاطر، وتفهم
اختلاف الثقافات فأصبح شخصية اجتماعية ودوداً في حيه ومدرسته، حتى أصبحت المدرسة توكل
له إدارة النشاطات التي تتطلب جهداً تنظيمياً وقدرةً على التواصل مع الآخرين. ثم
جاهد عبدالعزيز في تعليمه إلى أن تخرج في المرحلة الثانوية، وحاول بكل السبل أن
يجد من يتوسط له للالتحاق بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة؛ كونه لم يحصل على الجنسية
السعودية بعد، وشاءت إرادة الله أن تكفل الدكتور عبدالله نصيف أحد أعيان محافظة
جدة بأن يتوسط له في الجامعة ليتم قبول ابن المهاجر التركماني، الذي درس العلاقات
العامة والإعلان وتخرج متفوقاً في الجامعة عام 1979.
عبد العزيز بن عبد الستار
ثم
التقى بعد تخرجه بالسيد إبراهيم أفندي، وهو أيضاً من أعيان محافظة جدة، فنصحه بأن
يكمل تعليمه العالي في اليابان التي لم تكن خياراً للسعوديين في ذلك الوقت، فحينها
كانت أمريكا وأوروبا وجهة الطلبة السعوديين. ولأن عبدالعزيز الذي كان يطلق عليه
بين الأطفال في جدة (الطفل الياباني) نظراً لملامحه الشرق آسيوية، لم يستنكر نصيحة
السيد الأفندي وقرر أن يكون أول طالب سعودي يحصل على شهادة أكاديمية في الدراسات
العليا من اليابان ومن أوائل العرب الذين يتقنون اللغة اليابانية، استقطع والده من
قوت أبنائه ليساعد عبدالعزيز في إكمال مشواره التعليمي، وأنفق عليه الغالي والنفيس
إلى أن غادر إلى طوكيو والتحق بجامعة (واسيدا) وتخصص في التسويق والإعلان، وحصل
على مرتبة الشرف فيها عام 1984، ثم حصل على شهادة الدكتوراه من جامعة (سيجو) وعاد
مرفوع الرأس ولم يخيب ظن والده فيه عام 1988.
حينما
حصل عبدالعزيز على درجتي الماجستير والدكتوراه كان مليئاً بالحماس والحيوية لإيصال
رسالة مشرفة عن البلد الذي احتضنه ونشأ فيه، والذي أشعره دائماً بأنه من ضمن
النسيج الاجتماعي المليء بالثقافات والأعراق في بلد الحرمين التي تحتضن المسلمين
بكل ألوانهم، فكان خياراً مناسباً لتولي مسؤولية المعهد العربي الإسلامي في
اليابان وهو مازال طالبا عام 1984.
ثم
عاد ليُصدم بأن شهادته غير معترف بها، كون الجامعة التي تخرج فيها غير مدرجة في
قوائم الجامعات التي تتعاون معها وزارة التعليم العالي السعودي، فتلاشى حلم العمل
الأكاديمي واضطر إلى أن يعمل في شركة (تويوتا) مديراً للتسويق عام1992،
وحظي حينها بإعجاب الكثيرين ومن ضمنهم مالك شركة تويوتا الأم في اليابان (السيد
تويودا) الذي زار السعودية وأعجب بوجود شاب سعودي يتحدث اليابانية بطلاقة. واستمر
يعمل في الشركة إلى أن توفيّ وكيل شركة تويوتا في السعودية السيد (عبد اللطيف
جميل) بعد أن حصل على أرفع الجوائز التي تقدمها شركة تويوتا لعامليها على مستوى
العالم، ثم انتقل بعدها إلى الشركة السعودية للأبحاث والنشر (ناشر صحيفة الشرق
الأوسط) مديراً عاماً لتنمية المبيعات، ثم غادر الأبحاث والنشر متوجها إلى جامعة
القاهرة للحصول على درجة دكتوراه أخرى في تخصص (الإعلان).
عاد
الدكتور عبدالعزيز من القاهرة وعمل مستشارا لوزير الشؤون الإسلامية، ثم اضطر إلى مغادرة
الوزارة لأسباب غير معروفة، واضطرته ظروف الحياة إلى أن ينتقل للمنطقة الشرقية في محافظة
الخبر ليكون نائباً لرئيس إحدى الشركات العقارية، ثم غادر المنطقة الشرقية متوجها
إلى منطقة الرياض ليعمل مشرفاً على قسم إدارة العلوم الإدارية والإنسانية بكلية
المجتمع في محافظة حريملاء التابعة لجامعة الملك سعود.
استطاع
الدكتور عبدالعزيز تركستاني أن يؤسس لنفسه سمعةً طيبة في كل محطة وقف بها، نتيجة
تربيته ونشأته على تقبل اختلاف الثقافات والأماكن والأديان، وبالأخص في اليابان،
حتى إنه أستطاع أن ينجز من خلال المعهد العربي الإسلامي إنجازات كبيرة جداً لتوطيد
العلاقات بين اليابانيين الذين يتبعون دياناتٍ مختلفة وبالأخص "الشنتو"
و"البوذية" والمسلمين ككل، حتى حظي بثناء المسؤولين اليابانيين
والمشاهير عالمياً، مثل محمد علي كلاي، قبل السفراء العرب والمسلمين.
توفي
عبدالستار تركستاني عام 2006 بعد أن حصل على الجنسية السعوديه بعام واحد فقط
عام 2005،
وبعد أن توفيت زوجته السيده آمنة في عام 2003، وبالتالي أصبح أبناء عبدالستار يحملون جنسية
البلد التي عاش والدهم ووالدتهم في أراضيها قرابة الخمسين عاماً. تفرغ عبدالعزيز
بعد وفاة والديه لأسرته ولأعمال خاصة بدأ يقوم بها مثل مكتب للاستشارات التسويقية،
وفي إحدى زياراته العائلية إلى اليابان عام 2008، جاءه اتصال من السفارة السعودية، وتوقع حينها أنه
اتصال عمل لإنجاز أعمال ترجمة، إذ كان يتعاون مع السفارة السعودية في مجال
الترجمة، ولكن الصوت الآخر على الهاتف كان صوت السفير السعودي فيصل طراد (شيخ
السفراء السعوديين) الذي كان يستعد لمغادرة اليابان أواخر 2008،
وحينما أبلغه برغبة القيادة في أن يتولى منصب سفير المملكة في اليابان، سالت دموع
الدكتور عبدالعزيز تركستاني (سفير خادم الحرمين الشريفين في اليابان حالياً) حينما
تذكر قصةً حصلت له بجوار والدته ووالده في الطفولة.
كان
الوالدان يشاهدان التلفزيون ومعهما عبدالعزيز، فظهرت صورة للملك فيصل بن عبدالعزيز
أثناء زياراته إلى مسلمي اليابان وكوريا في أثناء افتتاح المعهد العربي الإسلامي
في اليابان عام 1971، فسألت السيد آمنة زوجها، من الرجل الواقف بجوار
الملك فيصل وما هي مناسبة الزيارة، فأجابها أن المناسبة مرتبطة بافتتاح المعهد الإسلامي
والرجل المجاور للملك هو المترجم الياباني، فرفعت يديها إلى السماء وبجوارها ابنها
البار عبدالعزيز، وقالت: (يارب، أكرم عبدالعزيز بخدمة دينك ثم عبادك، واجعله من
البطانة الصالحة). وهو لله والتاريخ، من خيرة سفراء خادم الحرمين الذين ظهرت
معادنهم الأصيلة في الشدائد، وأحداث تسونامي تشهد على ذلك، حيث يسكن السفير
السعودي في اليابان في الطابق الحادي عشر في المبنى نفسه الذي فيه مقر السفارة
السعودية في الطابق السادس، وظل يعمل يومياً دون توقف إلى درجة أن جعل منزله (غرفة
عمليات) لخدمة الطلاب والسياح السعوديين الذين كانوا موجودين في اليابان أثناء أحداث
تسونامي، وسخر جهده الكامل والمباشر لخدمة كل فرد سعودي وُجد حينها في اليابان،
إلى أن اطمأن على جميع الموجودين وسهل لهم مهمة العودة إلى ديارهم بعد أن ودعهم
شخصياً في المطار.
لم
يكن تعيين الدكتور عبدالعزيز تركستاني الذي يتحدث أربع لغاتٍ بطلاقة (الإنجليزية، واليابانية،
والتركستانية، والعربية) أمراً عادياً، فهو من قلائل السفراء الذين يلتقيهم
إمبراطور اليابان شخصياً ويحتفي بهم بشكل خاص، حيث جرت العادة أن يستقبل رئيس
الوزراء الياباني السفراء الجدد، باستثناء السفراء المهمين سياسياً لدولة اليابان،
حتى إن الإمبراطور أرسل رسالة للملك عبدالله يشيد فيها بالسفير السعودي ويشكره على
اختياره لسفير يتحدث اليابانية بطلاقه وهو ما يشجع على توطيد العلاقات بين
البلدين.
السفير السعودي في اليابان (الدكتور عبد العزيز تركستاني)